محاضرة الدکتور یوسف حوري

ألقی الدكتور يوسف حوري، الأستاذ في جامعة الجزائر خطاباً عن «حقوق الأسرة في الإسلام» في ندوة افتراضية بعنوان “حقوق الإنسان في الإسلام: الواقع والتحديات” يوم الثلاثاء 4 من أغسطس 2020. وذکر في هذه المحاضرة ما یلی:

 

          الأسرة بنیة للدولة و المجتمع. الأسرة المتماسکة والمتوازنة تعني الدولة القویة. النقطة التي تمیز النظر الإسلامي للأسرة عن غیره هي أن الإسلام یعترف بحقوق الأسرة بغض النظر عن دیانة الأسرة وأن الدولة الإسلامیة تحمي کل الأسر الموجودة تحت إطارها سواء کانت الأسرة مسلمة أو مسیحیة أو یهودیة أو أی دیانة أخری، بینما الأسر المسلمة في بعض الدول غیر المسلمة تعاني الأمرین وهو ماشاهدناه في البوسنة و الهرسک وروهینغیا في المیانمار وفي العدید من الدول. إن الإسلام جعل حقوق الأسرة واجبات الدولة نحو الأسرة من منطلق آخر.

          بإمکاننا تقسیم حقوق الأسرة في الإسلام في محورین: المحور الأول هو الحقوق المادیة أو واجبات الدولة المادیة نحو الأسرة والمحور الثاني للحریة في الإسلام هي الحقوق المعنویة. أول حقوق المادیة للأسرة هو حق الحیاة الکریمة و الهادئة و تشمل حرمة الدماء بصفة عامة. الحق الثاني هو حق الحمایة وهو واجب علی الدولة أن تحمي الأسر من کل اعتداء لفظي أو جسمي أو أی نوع من أنواع الاعتدائات حتی یعیش أفراد الأسرة بکل هدوء و سکینة. الحق الثالث هو الحق في الرعایة. کما یجب علی رب الأسرة أن یرعی أفراد أسرته، یجب علی الدولة أن ترعی الأسرة رعایة کاملة شاملة في شتی مجالات الحیاة منها الرعایة الصحیة (سواء وقائیة أو علاجیة) وتوفیر البیئة النظیفة. القسم الثاني من الرعایة هي الرعایة الاجتماعیة. الرعایة الاجتماعیة تعني أن تحظی الأسرة بمرافقة اجتماعیة ومرافقة اقتصادیة أیضاً و کلها في حقیقة الأمر مرتبطة بحق في الحیاة. لا یمکن أن نتکلم بحق الحیاة لمجرد أن یتنفس الشخص بأوکسیجین وهو موجود علی سطح الأرض، بل إنما یجب أن یکون في هذه الحیاة رعایة صحیة واجتماعیة واقتصادیة.

          الحق الرابع هو الحق في التربیة. کما أن علی الوالدین أن یقوما بتربیة أفراد الأسرة، علی الدولة أن تقوم بتربیة الأسرة. قد تکون هذه التربیة من خلال مقومین اثنین مهمین: المنظومة التربویة و وسائل الإعلام. نجد في الکثیر من الدول التي تدعي بأنها دول مسلمة أن منظومتهم التربویة مغایرة تماماً مع اعتقادات شعبها. هذا یبدو اعتداء علی حق الأسرة في التربیة. فالحق في التربیة هو تمکین الأسرة و أفرادها من منظومة تربویة إسلامیة صحیحة. یجب أن تکون التربیة في وسائل الإعلام تربیة هادفة وأن لاتکون معولاً من معاول هدم الأسر کما نجد في الکثیر من وسائل الإعلام في العالم العربي خاصة. الحق الخامس هو الحق في المساواة وهو أن تعیش الأسرة في کنف قانون و تحظی بمساواتها مع غیرها من الأسر ولایجوز بحالة من الأحوال تفضیل أسرة عن الأسر الأخری بداعی الإنتماء أو المعتقد أو اللون أو بأي داع آخر. الحق الأخیر من الحقوق المادیة هو الحق في العدل. معلوم أن العدل هو أساس الملک. فالعدل یجب أن یکون مساو لکل الأسر. العدل یقتضی أن یکون بامکان کل الأسر أن تلجأ إلی القضاء في حالة شعورها بالاعتداء أو الظلم. فاللجوء إلی العدالة و تطبیق مبادئها هو من أهم الحقوق التي یکفلها الإسلام.

          هناک أیضاً حقوقاً معنویاً للأسرة التي لاتقل أهمیة عن الحقوق المادیة. لعل من أهم الحقوق المعنویة التي یجب علی الدولة أن توفرها کجهاز و کسلطة و کقانون هي الحق في الشرف و السمعة. الحق المعنوي الثاني هو الحق في الکرامة و العزة. یجب علی الدولة توفیر هذا الحق في إطار الاحترام المتبادل بین الجمیع. الحق المعنوي الثالث هو عدم التمییز بأي ذریعة من الذرائع. مضی وقتاً طویلاً علی البشر حتی یدرک بأن لافرق بین الأبیض و الأسود. مع ذلک، مازال هناک حوادث کثیرة التی نراها یومیاً و آخرها في أمریکا المتحضرة التي یقتل فیها الأسود لأنه أسود. قضی الإسلام وأحبط و منع من بدایته کل شکل من أشکال التمییز سواء کانت هذا التمییز في العرق أو اللون أو المعتقد أو أي شيء آخر. لذلک في کل الآیات التي تذکر کرامة الإنسان، تذکر عبارة «الإنسان»، مثل هذه الآیة الکریمة: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا[1]» یظهر من هذه الآیة أن الوسائل الرفاهیة جاءت بعد توفیر الکرامة. هناک أحادیث نبویة کثیرة التي تنبذ التفرقة وتجعل التفرقة من باب الظلم الذي حرمه الله سبحانه و تعالی.

          فیقوم فلسفة الإسلام علی أن یحمي الأسرة و یرعاها و یجعل کل الوسائل الرفاهیة الممکنة تحت یدها حتی تکون في مستوی خلافة الله في الأرض لأن رسالة الإنسان ماهی إلا خلافة الله في الأرض کما قال الله تعالی: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً[2]» ویحمل الإنسان الأمانة الإلهیة کما قال الله عزوجل: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا[3]» ففلسفة الإسلام بحمایة ورعایة حقوق الأسرة جدیرة بالدراسة ویمکن أن توضع محاضرات و بحوث کثیرة في هذا المجال حتی یستفید المسلمون و الشعوب الإسلامیة والعربیة وحتی البشریة جمعاء منه لأنه تعالی قال: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[4]»

[1]. سورة الإسراء، الآیة 70

[2]. سورة البقرة، الآیة 30

[3]. سورة الأحزاب، الآیة 72

[4]. سورة الأنبیاء، الآیة 107

Exit mobile version