المقدمة
اللغة الفارسية وآدابها متشابکة للغاية مع اللغة العربية وآدابها، ومن أجل إتقان كل منهما، من الضروري معرفة شیئاً من الآخر. إن المشاهير الإيرانيين في مجال اللغة العربية وآدابها، والألفاظ الدخیلة الفارسية في اللغة العربية، والملمعات (الأشعار ثنائية اللغة) والأشعار العربية للشعراء الإيرانيين هي أمثلة على العلاقات الثقافية بين الإيرانيين والعرب في مجال اللغة والأدب.
المشاهير الإيرانيون في مجال اللغة العربية وآدابها
بعد وصول الإسلام إلى إيران، انتبه كثير من الإيرانيين إلى اللغة العربية وحاولوا استخراج قواعد وظرائف هذه اللغة. كان تأثير هؤلاء الأشخاص لدرجة أن البعض لا يزال مشهورین في العالم العربي حتى يومنا هذا. أحد هؤلاء هو عبد الله بن مقفع أو روزبه بارسي الذي ترجم بعض أعمال العصر الساساني من اللغة البهلوية إلى العربية وهو کاتب ذو أسلوب خاص في النثر العربي. بعض كتبه کالأدب الكبير والأدب الصغير بليغان لدرجة أنها تدرسان في مدارس بعض الدول العربية.
هناك مشهور آخر في مجال النحو العربي وهو سيبويه الشيرازي. ولد سيبويه عام 140 هـ في مدينة بيضاء قریب من شيراز. سافر إلى البصرة في سن الرابعة عشرة لدراسة العلوم حيث أصبح من أبرز علماء الأدب العربي. أشهر أعماله في النحو هو “الكتاب” ، والذي يعتبره الكثيرون أول عمل في النحو العربي.
ثالث إيراني شهر في اللغة والأدب العربي هو مجد الدین الفيروزآبادي. كان الفيروزآبادي أيضًا من محافظة فارس. ذهب إلى شيراز في الثامنة من عمره واستفاد من العلماء هناك، ثم سافر إلى بغداد ومصر والشام والروم والحجاز واليمن ومعظم الأراضي الشرقية مثل الهند. كتاب الفيروزآبادي الشهير هو “القاموس المحيط” وهو من أشهر المعاجم العربية.
إضافة إلی ذلك، هنالك إیرانيون کثیرون أثروا علی اللغة العربية وآدابها مثل الکسائی، وأبو زکریا الفراء، وعبد الرحمن الهمداني، وأبو الفرج الأصفهاني، وأبو علی الفارسي، وأبوبکر الخوارزمي، وأبو عبید الله المرزباني، وصاحب بن عباد، وبدیع الزمان الهمداني، وأبو الفتح البستی، وابن خلف النیرماني، وأبو علی المرزوقي، ومهیار الدیلمي، وعبد الرحمن النیسابوري، وأبوالفضل المیکالي، وأبوالحسن الباخرزي، ومؤید في الدین الشیرازي، وعبد القاهر الجرجاني، وأبو إسحاق الشیرازي، وظهیر الدین الرودراوري، وأبو نصر النیسابوري، وابن خطیب التبریزي، وراغب الأصفهاني، وأبو المظفر الأبیوردي، ومؤید الدین الطغرایي، وابوالفضل المیداني، وجار الله الزمخشري، وناصح الدین الأرجاني، وأبو الفتح المطرزي، والبنداري الأصفهاني، وشهاب الدین الزنجاني، وعصام الدین الإسفرایني، وشریف النیسابوري.
الألفاظ الدخیلة
الکل یعرف أن هنالك الكثير من الألفاظ العربیة الدخیلة في اللغة الفارسیة الحدیثة، لکن یجدر الذکر أن بعض ألفاظ التي تستخدم في اللغة العربیة لها جذور فارسیة. نذکر بعض هذه الألفاظ في التالي.
هنالك ألفاظ دخیلة من اللغة الفارسیة في اللغة العربیة في مجال الموسیقی مثل مقامات راست، ونهاوند وسیکاه وآلات موسیقیة کالسنطور، والطنبور، والکمنجة، وسه تار، والتار. کما هنالك بعض أسماء الأحجار الکریمة الدخیلة من الفارسیة کالیشب والفیروزج والزبرجد والکهرمان.
هنالك بعض الورود والأزهار دخلت أسمائها من اللغة الفارسیة مثل الارجوان، والبابونج، والزنبق، والسوسن، والنرجس، والنسرین، والنیلوفر، والیاسمین. کما لأسماء بعض الحیوانات في العربیة، جذور فارسیة کالببر، والفیل، والسنجاب، والجاموس، والشاهین، والباز، والسلمندر.
بعض أسماء الفواکه والخضروات في العربیة دخیلة من اللغة الفارسیة أیضا منها الخیار، والباذنجان، والبرتقال، والنارنج، والتوت، والزنجبیل، والکرفس، والسبانخ، والشمندر، والفستق، والبندق.
الأشعار العربیة
لم يخلط بعض الشعراء الإيرانيين الشعر العربي بالشعر الفارسي فحسب، بل قاموا أيضًا بتأليف أشعارًا عربيةً تمامًا. إن البلاغة لبعض هذه القصائد من النوع الذي لا يدرك أحياناً أولئك الذين لغتهم الأم هي العربية أن هذه القصائد كتبها شخص غير عربي. كان الشعر باللغة العربية شائعًا جدًا في إيران لدرجة أن الثعالبي في القرن الرابع الهجري وفي كتابه “یتیمة الدهر”، الذي صنف فیه الشعراء الناطقین بالعربیة وفقًا للمنطقة؛ كرس لشعراء خراسان وما وراء النهر قسم خاص لکثرتهم. وكذلك الخزري في القرن الخامس الهجري في كتاب “دمية القصر” وهو تكملة لكتاب الثعالبي، تحدث عن شعراء ناطقین بالعربیة في المقاطعات الشرقية والغربية والوسطى لإيران. كما تناول عماد الدين كاتب الأصفهاني في القرن السادس الهجري وفي كتابه “خریدة القصر” شعراء إيرانيين ناطقین بالعربیة من أصفهان وخراسان وفارس وخوزستان وكرمان والجبال وأذربيجان وعلى طول بحر قزوين ولرستان.
في هذا القسم، على سبيل المثال، تم ذكر بعض القصائد العربية لثلاثة من أعظم الشعراء الإيرانيين. الشاعر الأول الذي نتحدث عنه هو الرومي. يمتلك الرومي العديد من القصائد الغنائية والرباعية ، ولا يمكن ذكرها كلها هنا؛ لكن على سبيل المثال، نشير إلى إحدى الرباعيات وأول بیت لأحد غزلیاته العربية. رباعيته هي كما يلي:
العین لفقدکم کثیر العبرات / والقلب لذکرکم کثیر الحسرات
هل یرجع من زماننا ما قد فات / هیهات و هل فات زمان هیهات
و هذه بدایة أحد غزلیاته:
مولانا مولانا اغنانا اغنانا / امسینا عطشانا اصبحنا ریانا
الشاعر الإیراني الذي له أشعار عربیة کثیرة، هو السعدي الشیرازي. له بعض الغزلیات بالغة العربیة في قمة الفصاحة والبلاغة. یبدأ أحد غزلیاته العربیة بهذین البیتین:
ان لم امت یوم الوداع تأسفا / لاتحسبونی فی المودة منصفا
من مات لاتبکوا علیه ترحما / و ابکوا لحی فارق المتألفا
الخاقاني الشرواني هو الشاعر الإیراني الآخر الذي نتناوله في هذا القسم. أنشد هذا الشاعر قصیدة عن بغداد تبدأ کالتالي:
أمشرب الخضر ماء بغداد / أو نار موسی لقاء بغداد
الملمعات
الملمعات هي أشعار استخدم الشاعر فیها لغتين. أنشد حوالي 30 شاعرًا إيرانيًا أشعارا باللغتين الفارسية والعربية معا، وسنذكر بعضهم أدناه. رابعة بنت كعب شاعرة من القرن الرابع الهجري وتعتبر أم الشعر الفارسي. ما يلي منها:
هر آینه نه دروغ است آنچه گفت حکیم (إن ما قاله الحکیم لیس کذبا)
/ فمن تکبر یوماً فبعد عز ذل
أبو جعفر أندادي شاعر من القرن الرابع الهجري كتب موضوعًا في بيتين باللغتين العربية والفارسية:
عذیري من قدك الخیزراني / ومن وردتي خدك الارجواني
فغان زان دو رخ تشون جل ارغواني / وزان بر شده قامت خیزراني
القرن السادس الهجري هو قرن ذروة الملمعات. يقول مسعود سعد سلمان، أحد شعراء هذا القرن:
نیست چون من کس از جهان مخصوص (ليس أحد مثلي مشغول) / بالبلیات من جمیع الناس
يمتلك الرومي، بستين ملمع، أكبر عدد من الملمعات بين شعراء اللغة الفارسية. يقول في إحدى هذه الأشعار:
گفتم: «خموشی صعبست» گفتا (قلت: الصمت صعب، قال) / یا ذا المقال، صر ذا المعالی
على الرغم من أن السعدي الشيرازي ليس لديه ملمعات كثيرة، إلا أن ملمعاته من أجمل وأشهر الملمعات في الشعر الفارسي كالملمع التالي:
سل المصانع رکبا تهیم في الفلوات / تو قدر آب چه دانی که در کنار فراتی (أنت لاتعرف قیمة الماء لأنك تسكن جنب الفرات)
لدى الحافظ الشیرازي أيضًا ملمعات مشهورة ويبدأ ديوانه بالملمع التالي:
ألا یا أیها الساقي أدر کأسًا وناولها / که عشق آسان نمود اول ولی افتاد مشکلها (کان الحب سهلًا في بدایة الأمر، لکن حدثت مشاکل فیما بعد)
وللجامي، شاعر القرن التاسع الهجري، بعض الملمعات مثل التالي:
دی گذشتیم بر آن دلبر و گفتیم دعا (مررنا بتلك الحبيبة وقلنا ادعي لنا) / قال من أنتم قلنا فقراء الغرباء
كان انشاد الملمعات شائعًا أيضًا خلال العهد الصفوي کما أنشد الشيخ البهائي وهو من أشهر علماء ذلك العهد. من ملمعاته:
جاء البرید مبشرا من بعد ما طال المدا / ای قاصد جانان تو را صد جان و دل بادا فدا (أفديك روحي وقلبي مئة مرة یا قاصد الحبیب)