نظرة علی تاريخ الأقلية المسيحية في إيران: من البداية إلى الجمهورية الإسلامية

د. سيد محمد ساداتی نجاد

وحيد مصاحبی محمدي

تتناول مادة 13 من الدستور حقوق الأقليات الدينية في إيران. ينص هذا الأصل کالتالي: “الإيرانيين أعم من الزرادشتية والیهودیة و المسيحية أحرار في تطبيق ديانتهم فی رکاب القانون ویمکنهم العمل فی مفاهیم دینهم وشوؤنهم الشخصیة.” والأهم من ذلك أن ممثلي الأقليات الدينية شاركوا في صياغة الدستور نفسه وتمت صياغة الدستور بالتشاور مع ممثليهم.  إن حضور ممثلي الأقليات الدينية في صياغة دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو العمل الأكثر تقدمية لها و تظهر لنا احترامها للأقليات الدينية. أحد الأقليات الدينية في إيران هم المسيحيون. معظم الطوائف المسيحية ، بما في ذلك الكاثوليكية ، الغريغورية ، النسطورية ، البروتستانتية ، والأرثوذكسية ، لديها كنائس في إيران و تقیم مراسیمها  الدینیة بالكنائس. يعود تاريخ تواجد المسيحيين في إيران إلى روما القديمة.  تعرض المسيحيون في بداية النهضة المسيحية للإضطهاد والتعذيب والإعدام في الأراضي الرومانية ، فلذلك لجأ بعضهم إلى إيران بحثًا عن أرض آمنة ، و أدوا فیها مراسيمهم الدينية بحرية تامة. و بنوا الكنائس و أنشأوا مناطق أسقفیة  لإدارة تلك الكنائس في نقاط مختلفة من إيران.

لذلك للتعايش بين الأديان في إيران تاريخ مديد ولايقتصر بالسنوات الأخيرة ، ولكن منذ العصور القديمة کان لدی الإيرانيين روح الضيافة والترحیب لأتباع الديانات الأخرى. لذلك كانت الأقليات الدينية في إيران دائما في موضع الترحيب والدعم. کما أن القومیّات الإيرانية المختلفة في هذه الأرض عاشت منذ سنوات عديدة مع إتحاد و تضامن لا يوصف. الأقليات الدينية تمکنت بالراحة و الهدوء الموجود في إيران نتيجة للتضامن و لتعايش الثقافي بین أناسها الذي جعلها تحفظ شعائرها الدينية وأداء طقوسها و الحفاظ عليها بحرية طوال کل هذه السنوات. تزامنت العصور القديمة ووصول المسيحية في إيران مع الفترة البارثیة (150 ق.م. – 226 م) وخلال هذه الفترة دخلت المسيحية إيران بطرق مختلفة.  إنتشر جزء من المسيحية من خلال المبلغین التابعین للكنيسة في جميع أنحاء إيران بما في ذلك بلاد الرافدين ، وجيلان ، وجرجان ، وأرمينيا. أول حَواري الذي جاء إلى إيران وأرمينيا كان تداوس الذي سافر إلى منطقة كبادوكيا في آسيا الصغری ودعا الناس لمتابعة دین السيد المسيح. ثم ذهب إلى أرمينيا و دعا إلی المسيحية لفترة طويلة حتى إستشهد في عام 48 م ، بالقرب من مدينة ماكو (قرية قره کلیسا) و بنوا علی قبر تداوس في أذربيجان الغربية كنيسة تسمى “دير القديس تداوس” ، التي بنيت من القرن الرابع إلی السادس. و بعده سافر شخصاً آخر من تلك الحواريين ال 12 يدعى به (برثولماوس) إلى شمال إيران وأرمينيا ليدعو بالمسيحية حتى إستشهد كمصير سلفه.  تم بناء العديد من الكنائس من قبل أتباعه ، وتقع إحدی هذه الكنائس في شارع مولوي في طهران. يكتب آرثر كريستنسن ، المستشرق الدنماركي الشهير الذي سافر إلى إيران في عام 1914 ، عن سبب و منشأ ظهور المسيحیة في إيران و يقول: “ملوك إيران عند هجومهم على سوريا كانوا في بعض الأحيان ينقلوا جميع سكنة المدن إلى إيران و يقيموهم فيها. بما أن معظم هؤلاء المهاجرين كانوا من الديانة المسيحية ، أصبح الدين المسيحي واسع الإنتشار في كل ركن من أركان إيران.” وفي كتاب الحضارة الإيرانية ، ذكر  عدد من المستشرقين أنه نقل الدين المسيحي في إيران من قِبل الآراميين الذين عاشوا في سوريا أو المبلغين الذين أتوا من أوديسا أو أسرى الحروب.

بعد أن حكم علی نسطورس أسقف قسطنطنية بالترحیل في سنة 431 م ، أصبح أتباعه معروفين بإسم النسطوريين و لجأوا إلى إیران وأنشأوا كنيستهم الخاصة بصرف النظر عن المسيحيين الآخرين في سنة 484 م. واستطاعت هذه الکنیسة أن تتعامل بشکل جید مع الحكام الساسانيين ، لأن هذه الكنيسة كان لها تفاعل مع حكومة إيران ضد عدوها البیزنطة و لم یمض وقت طویل و نشرت الكنيسة النسطورية شبكة من الأساقفة في جميع أنحاء إيران. عاش معظم النسطوريين في غرب إيران ، في أرومية و القرى المحيطة بها، ثم في كرمانشاه وبعد سنوات عديدة في طهران. بدأ المسيحيون التابعون لكنيسة الكاثوليكیة بترویج الديانة بين النساطرة سنة 1840 ، وهكذا إتبعت مجموعة من النساطرة الکاثولیکیة وإستدعوا بالكلدانية.  يكتب أ. في. وليامز جاكسون المحقق الأمريكي في سياق حواره حول إيران ، عن الساميين الذين يُعرفون اليوم في أذربيجان بالنسطورية والكلدانية الذين هم من نفس العرق والنسب و کلهم کانوا علی مذهب النسطورية و یدّعون بالنسطورية ، لكن الكثير منهم تحولوا إلى الكاثوليكية.

Exit mobile version